سورة المجادلة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المجادلة)


        


{أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بما تَعْمَلُونَ (13)}
{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وناديناه أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ} أي أخفتم الفقر لأجل تقديم الصدقات فمفعول {أشفقتم} محذوف، و{حَمِيمٍ ءانٍ} على إضمار حرف التعليل، ويجوز أن يكون المفعول {أَن تُقَدّمُواْ} فلا حذف أي أخفتم تقديم الصدقات لتوهم ترتب الفقر عليه، وجمع الصدقات لما أن الخوف لم يكن في الحقيقة من تقديم صدقة واحدة لأنه ليس مظنة الفقر بل من استمرار الأمر، وتقديم {صدقات} وهذا أولى مما قيل: إن الجمع لجمع المخاطبين إذ يعلم منه وجه إفراد الصدقة فيما تقدم على قراءة الجمهور {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ} ما أمرتم به وشق عليكم ذلك {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} بأن رخص لكم المناجاة من غير تقديم صدقة، وفيه على ما قيل: إشعار بأن إشفاقهم ذنب تجاوز الله تعالى عنه لما رؤى منهم من الانقياد وعدم خوف الفقر بعد ما قام مقام توبتهم {وَإِذْ} على بابها أعني أنها ظرف لما مضى، وقيل: إنها عنى {إِذْ} الظرفية للمستقبل كما في قوله تعالى: {إِذِ الاغلال فِى أعناقهم} [غافر: 71].
وقيل: عنى إن الشرطية كأنه قيل: فإن لم تفعلوا {فَأَقِيمُواْ الصلاة وَءاتُواْ الزكواة} والمعنى على الأول إنكم تركتم ذلك فيما مضى فتداركوه بالمثابرة على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، واعتبرت المثابرة لأن المأمورين مقيمون للصلاة ومؤتون للزكاة، وعدل فصلوا إلى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ} ليكون المراد المثابرة على توفية حقوق الصلاة ورعاية ما فيه كمالها لا على أصل فعلها فقط، ولما عدل عن ذلك لما ذكر جيء بما بعده على وزانه؛ ولم يقل وزكوا لئلا يتوهم أن المراد الأمر بتزكية النفس كذا قيل فتدبر {وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} أي في سائر الأوامر، ومنها ما تقدم في ضمن قوله تعالى: {أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِى المجالس فافسحوا} [المجادلة: 11] الآيات وغير ذلك.
{والله خَبِيرٌ بما تَعْمَلُونَ} ظاهرًا وباطنًا.
وعن أبي عمرو يعملون بالتحتية.


{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)}
{أَلَمْ تَرَ} تعجيب من حال المنافقين الذين كانوا يتخذون اليهود أولياء ويناصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، وفيه على ما قال الخفاجي: تلوين للخطاب بصرفه عن المؤمنين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي ألم تنظر {إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ} أي والوا {قوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} وهم اليهود {مَّا هُم} أي الذين تولوا {مّنكُمْ} معشر المؤمنين {وَلاَ مِنْهُمْ} أي من أولئك القوم المغضوب عليهم أعني اليهود لأنهم منافقون مذبذبون بين ذلك، وفي الحديث: «مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين غنمين أي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع».
وجوز ابن عطية أن يكون {هُمْ} للقوم، وضمير {مِنْهُمْ} للذين تولوا، ثم قال: فيكون فعل المنافقين على هذا أخس لأنهم تولوا مغضوبًا عليهم ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صوابًا؛ والأول هو الظاهر والجملة عليه مستأنفة، وجوز كونها حالًا من فاعل {تَوَلَّوْاْ} ورد بعدم الواو، وأجيب بأنهم صرحوا بأن الجملة الاسمية المثبتة أو المنفية إذا وقعت حالًا تأتي بالواو فقط وبالضمير فقط وبهما معًا، وما هاهنا أتت بالضمير أعني هم، وعلى ما قال ابن عطية: في موضع الصفة لقوم.
وذكر المولى سعد الله أن في {مّنكُمْ} التفاتًا، وتعقب بأنه إن غلب فيه خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم فظاهر أنه لا التفات فيه وإن لم يغلب فكذلك لا التفات فيه إذ ليس فيه مخالفة لمقتضى الظاهر لسبق خطابهم قبله، وفي جعله التفاتًا على رأي السكاكي نظر {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب} عطف على {تَوَلَّوْاْ} داخل في حيز التعجيب، وجوز عطفه على جملة {مَّا هُم مّنكُمْ} وصيغة المضارع للدلالة على تكرر الحلف، وقوله تعالى: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حال من فاعل يحلفون مفيدة لكمال شناعة ما فعلوا فإن الحلف على ما يعلم أنه كذب في غاية القبح، واستدل به على أن الكذب يعم مايعلم المخبر مطابقته للواقع وما لا يعلم مطابقته له فيرد به على مذهبي النظام. والجاحظ إذ عليهما لا حاجة إليه، وبحث فيه أنه يجوز أن يراد بالكذب ما خالف اعتقادهم {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} عنى يعلمون خلافه فكيون جملة حالية مؤدة لا مقيدة، نعم التأسيس هو الأصل لكنه غير متعين، والاحتمال يبطل الاستدلال والكذب الذي حلفوا عليه دعواهم الإسلام حقيقة، وقيل: إنهم ما شتموا النبي صلى الله عليه وسلم بناءًا على ما روى «أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين، فقال: إنكم سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاءكم فلا تكلموه فلم يلبثوا أن طلع عليهم رجل أزرق فقال عليه الصلاة والسلام حين رآه: علام تشتمني أنت وأصحابك فقال: ذرني آتك بهم فانطلق فدعاهم فخلفوا» فنزلت، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والبزار. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والبيهقي في الدلائل. وابن مردويه. والحاكم وصححه عن ابن عباس إلا أن آخره «فأنزل الله {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} [المجادلة: 18]» الآية والتي بعدها، ولعله يؤيد أيضًا اعتبار كون الكذب دعواهم أنهم ما شتموا.
وفي البحر رواية نحو ذلك عن السدي. ومقاتل، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه: يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق أمسر قصيرًا خفيف اللحية فقال صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال له: فعلت فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فنزلت، والله تعالى أعلم بصحته.
وعبد الله هذا هو الرجل المبهم في الخبر الأول، وهو ابن نبتل بفتح النون وسكون الباء الموحدة وبعدها تاء مثناة من فوق ولام ابن الحرث بن قيس الأنصاري الأوسي ذكره ابن الكلبي. والبلاذري في المنافقين، وذكره أبو عبيدة في الصحابة فيحتمل كما قال ابن حجر: إنه اطلع على أنه تاب، وأما قوله في القاموس: عبد الله بن نبيل كأمير من المنافقين فيحتمل أنه هو هذا، واختلف في ضبط اسم أبيه ويحتمل أنه غيره.


{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)}
{أَعَدَّ الله لَهُمْ} بسبب ذلك {عَذَابًا شَدِيدًا} نوعًا من العذاب متفاقمًا {إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ما اعتادوا عمله وتمرنوا عليه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8